فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله
فتح الزهر :: الفئة الأولى :: المنتدى الأول :: عن الناس والجن
صفحة 1 من اصل 1
فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله
رحمة واسعة في كتابه القيم ( فتح المجيد ) شرح كتاب التوحيد بابا قيما في السحر أسماه( باب ما جاء في السحر) ولأهمية هذا الباب فيما يتعلق بالرقية الشرعية وما يتعلق بصلب موقع الرقية الشرعية ولتعميق الفائدة وتأصيلها لدي الاخوة الباحثين من المسلمين أردنا أن نقدم لهم ما ورد في كتاب الشيخ وخاصة الاخوة الذين لا يمكنهم الحصول علي هذا الكتاب في بلادهم نسأل الله أن ينتفعوا بعلمه الغزير. (باب ما جاء في السحر) قوله(باب ما جاء في السحر) أي والكهانة . السحر في اللغة: عبارة عما خفي ولطف سببه ، ولهذا جاء في الحديث " ان من البيان لسحرا " وسمي السحر سحرا لأنه يقع خفيا آخر الليل . قـال أبو محمد المقدسي في الكافي : السحر عزائم ورقى وعقـد يؤثر في القلوب والأبدان ، فيمرض ويقتل ، ويفرق بين المرء وزوجه قال تعالى : ( فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء و زوجه ) 2 :102 و قال سبحانه( و من شر النفاثات في العقد ) يعني السواحر اللاتي يعقدن في سحرهن و ينفثن في عقدهن . و لولا لأن للسحر حقيقة لم يأمر الله بالاستعاذة منه. و عن عائشة رضي الله عنها " أن النبي صلى الله عليه و سلم سحر حتى انه ليخيل اليه انه يفعل الشيء و ما يفعله، و أنه قال لها ذات يوم: أتاني ملكان ، فجلس أحدهما عند رأسي و الآخر عند رجلي ، فقال: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب قال: و من طبه ؟ قال: لبيد ابن الأعصم في مشط و مشاطة ، و في جف طلعة ذكر في بئر ذروان " رواه البخاري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قول الله تعالي ( ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق) 2:102 و قولهيؤمنون بالجبت و الطاغوت)4 : 51 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال "و قول الله تعالى(و لقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق)" قال ابن عباس " من نصيب" قال قتادة: و قد علم أهل الكتاب فيما عهد اليهم:أن الساحر لا خلاق له في الآخرة،و قال الحسن: ليس له دين. فدلت الآيه على تحريم السحر، و كذلك هو محرم في جميع أديان الرسل عليهم السلام، كما قال تعالى(و لا يفلح الساحر حيث أتى)20 :69 و قد نص أصحاب أحمد أنه يكفر بتعلمه و تعليمه. و روى عبد الرزاق عن صفوان بن سليم قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم" من تعلم شيئا من السحر قليلا كان أو كثيرا كان آخر عهده من الله" و هذا مرسل. واختلفوا: هل يكفر الساحر أو لا؟ فذهب طائفة من السلف الى أنه يكفر، و به قال مالك و أبوحنيفة و أحمد رحمهم الله.قال أصحابه:الا أن يكون سحره بأدوية و تدخين و سقى شيء يضر فلا يكفر. و قال الشافعي: اذا تعلم السحر قلنا له: صف لنا سحرك، فان وصف ما يوجب الكفر، مثل ما اعتقده أهل بابل من التقرب الى الكواكب السبعة ،و أنها تفعل ما يلتمس منها فهو كافر، و ان كان لا يوجب الكفر فان اعتقد اباحته كفر.اهـو قد سماه الله كفرا بقوله ) : انما نحن فتنة فلا تكفر) 2 :102 و قوله: ( وما كفر سليمان و لكن الشياطين كفروا) قال ابن عباس في قوله ( انما نحن فتنة فلا تكفر) و ذلك انهما علما الخير و الشر و الكفر و الايمان ، فعرفا أن السحر من الكفر. قال : " و قوله تعالى( يؤمنون بالجبت و الطاغوت)" تقدم الكلام عليهما في الباب قبله و فيه أن السحر من الجبت . قاله المصنف رحمه الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال عمر: الجبت :السحر ، و الطاغوت: الشيطان. وقال جابر: الطواغيت: كهان كان ينزل عليهم الشيطان في كل حي واحد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله" قال عمر رضي الله عنه: الجبت: السحر . و الطاغوت: الشيطان" هذا الأثر رواه ابن ابي حاتم و غيره.قوله" و قال جابر : الطواغيت: كهان كان ينزل عليهم الشيطان ، في كل حي واحد " هذا الأثر رواه ابن أبي حاتم بنحوه مطولا عن وهب بن منبه قال: سألت جابر بن عبد الله عن الطواغيت التي كانوا يتحاكمون اليها ، فقال : ان في جهينة واحدا . و في أسلم واحدا ، و في هلال واحدا ، و في كل حي واحدا، و هم كهان كانت تنزل عليهم الشياطين ". ( 1 ) قوله" قال جابر" هو ابن عبد الله بن حرام الأنصاري. ( 2 ) قوله" الطواغيت: كهان " أراد أن الكهان من الطواغيت ، فهو من افراد المعنى . قوله" كان ينزل عليهم الشيطان" أراد الجنس لا الشيطان الذي هو ابليس خاصة ، بل تنزل عليهم الشياطين و يخاطبونهم ويخبرونهم بما يسترقون من السمع فيصدقون مرة و يكذبون مئة. قوله" في كل حي واحد " الحي واحد الأحياء ، وهم القبائل ، أي في كل قبيلة كاهن يتحاكمون اليه ويسألونه عن الغيب ، وكذلك كان الأمر قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، فأبطل الله ذلك بالاسلام ، وحرست السماء بكثرة الشهب .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) الذي يستخلص من كلام السلف رضي الله عنهم : أن الطاغوت كل ما صرف العبد وصده عن عبادة الله واخلاص الدين والطاعة لله ولرسوله . سواء في ذلك الشيطان من الجن والشيطان من الانس ، والأ شجار والأحجار وغيرها . ويدخل في ذلك بلا شك : الحكم بالقوانين الأجنبية عن الاسلام وشرائعه وغيرها من كل ما وضعه الانسان ليحكم به في الدماء والفروج والأموال ، وليبطل بها شرائع الله ، من اقامة الحدود وتحريم الربا والزنا والخمر ونحو ذلك ، مما أخذت هذه القوانين تحللها وتحميها بنفوذها ومنفذيها . والقوانين نفسها طواغيت ، وواضعوها ومروجوها طواغيت . وأمثالها من كل كتاب وضعه العقل البشري ليصرف عن الحق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم اما قصدا أو عن غير قصد من واضعه . فهو طاغوت .
( 2 ) توفي جابر سنة 74 هـ ، وقيل : سنة 77 هـ ، وكان عمره أربعا وتسعين سنة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا : يا رسول الله ، وما هن ؟ قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله الا بالحق . وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات "
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله " وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " (اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا : يا رسول الله وما هن ؟ قال: الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله الا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ) .كذا أورده المصنف غير معزو ، وقد رواه البخاري ومسلم . قوله ( اجتنبوا ) أي أبعدوا ، وهو ابلغ من قوله : دعوا واتركوا ؛ لأن النهي عن القربان أبلغ ، كقوله تعالي ( ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) . قوله ( موبقات ) بموحدة وقاف : أي المهلكات . وسميت هذه موبقات لأنها تهلك فاعلها في الدنيا بما يترتب عليها من العقوبات ، وفي الآخرة من العذاب . وفي حديث ابن عمر عند البخاري في الأدب المفرد والطبري في التفسير ، وعبد الرزاق مرفوعا وموقوفا قال " الكبائر تسع ـ وذكر السبعة المذكورة ـ وزاد : الالحاد في الحرم وعقوق الوالدين " ولابن أبي حاتم عن علي قال " الكبائر ـ فذكر السبع ـ الا مال اليتيم وزاد: العقوق ، والتعرب بعد الهجرة ، وفراق الجماعة ، ونكث الصفقة " قال الحافظ: ويحتاج عندي هذا الجواب عن الحكمة في الاقتصار علي سبع . ويجاب : بأن مفهوم العدد ليس بحجة وهو ضعيف ، أو بأنه أعلم أولا بالمذكورات . ثم أعلم بما زاد ، فيجب الأخذ بالزائد ، أو أن الاقتصار وقع بحسب المقام بالنسبة الي السائل . وقد أخرج الطبراني واسماعيل القاضي عن ابن عباس أنه قيل له : " الكبائر سبع " قال " هن أكثر من سبع وسبع " وفي رواية " هي الي السبعين أقرب " وفي رواية " الي السبعمائة " (1) قوله ( قال : الشرك بالله ) هو أن يجعل لله ندا يدعوه ويرجوه ويخافه كما يخاف الله ، بدأ به لأنه أعظم ذنب عصي الله به ، كما في الصحيحين عن ابن مسعود " سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله ؟ قال : " أن تجعل لله ندا وهو خلقك ـ
الحديث "
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) قد الف الحافظ عبد الرحمن بن رجب رحمه الله كتابا في عد الكبائر . طبع . ولشيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : كتاب مسائل الجاهلية ، هو كذلك في عد الكبائر .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و أخرج الترمذي بسنده عن صفوان بن عسال قال" قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا الى هذا النبي ، فقال له صاحبه : لا تقل نبي ، انه لو سمعك لكان له أربع عيون ، فأتيا رسول الله صلى الله عليه و سلم فسألاه عن تسع آيات بينات ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم : لا تشركوا بالله شيئا ن و لا تسرقوا ، و لا تزنوا ، و لا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق، و لا تمشوا ببريء الى ذي سلطان ليقتله، و لا تسحروا ، و لا تأكلوا الربا ، و لا تقذفوا محصنة ، ولا تولوا للفرار يوم الزحف، و عليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا في السبت . فقبلا يديه و رجليه. و قالا : نشهد أنك نبي - الحديث" و قال: حسن صحيح . قوله ( السحر ) تقدم معناه . و هذا وجه مناسبة الحديث للترجمة. و في صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة قال: " كتب عمر بن الخطاب : أن أقتلوا كل ساحر و ساحرة قال: فقتلنا ثلاث سواحر". و صح عن حفصة رضي الله عنها" أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها ، فقتلت " . و كذلك صح عن جندب . قال أحمد: عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فيه مسائل: الأولى: تفسير آية البقرة . الثانية: تفسير آية النساء. الثالثة: تفسير الجبت و الطاغوت ، والفرق بينهما . الرابعة : أن الطاغوت قد يكون من الجن و قد يكون من الانس. الخامسة : معرفة السبع الموبقات المخصوصات بالنهي. السادسة: أن الساحر يكفر . و السابعة: أنه يقتل و لا يستتاب. الثامنة: وجود هذا في المسلمين على عهد عمر ، فكيف بعده؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و عن جندب مرفوعا : " حد الساحر : ضربه بالسيف" رواه الترمذي ، و قال : الصحيح أنه موقوف. قوله( عن جندب) ظاهر صنيع الطبراني في الكبير: انه جندب بن عبد الله البجلي . لا جندب الخير الأزدي قاتل الساحر ، فانه رواه في ترجمة جندب البجلي من طريق خالد العبد عن الحسن عن جندب عن النبي صلى الله عليه و سلم ، و خالد العبدي ضعيف. قال الحافظ : و الصواب أنه غيره، و قد رواه ابن قانع و الحسن بن سفيان من وجهين عن الحسن عن جندب الخير " أنه جاء الى ساحر فضربه بالسيف حتى
مات ، و قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول- فذكره" . و جندب الخير: هو جندب بن كعب ، و قيل : جندب بن زهير. و قيل : هما واحد، كما قال
بن حبان : أبو عبد الله الأزدي الغامدي صحابي ، روى بن السكني من حديث بريدة : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال" يضرب ضربة واحدة فيكون أمة واحدة ". قوله ( حد الساحر : ضربة بالسيف) و روي بالهاء و التاء ، و كلاهما صحيح . و بهذا الحديث أخذ مالك و أحمد و أبو حنيفة . فقالوا: يقتل الساحر . و روى ذلك
عن عمر ، و عثمان ، و ابن عمر ، و حفصة ، و جندب بن عبد الله ، و جندب بن كعب ، و قيس بن سعد ، و عمر بن عبد العزيز ، و لم يرى الشافعي القتل عليه بمجرد السحر الا ان عمل في سحره ما يبلغ الكفر و به قال بن المنذر ، و هو رواية عن أحمد . و الأول أولى. للحديث و لأثر عمر ، و عمل به الناس في خلافته من غير نكير.
قوله ( و في صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة قال: كتب عمر بن الخطاب أن اقتلوا كل ساحر و ساحرة . قال: فقتلنا ثلاث سواحر ) .
هذا الأثر رواه البخاري كما قال المصنف رحمه الله ، و لكن لم يذكر قتل السواحر. قوله( عن بجالة) بفتح الموحدة لعدها جيم: ابن عبدة-بفتحتين-التميمي العنبري، بصري ثقة.
قوله( كتب الينا عمر بن الخطاب: أن اقتلوا كل ساحر و ساحرة) و ظاهره انه يقتل منن غير استتابة. و هو كذلك على المشهور عن أحمد، و به قال مالك، لأن علم السحر لا يزول بالتوبة. و عن أحمد يستتاب، فان تاب قبلت توبته، و به قال الشافعي، لأن ذنبه لا يزيد عن الشرك، و المشرك يستتاب و تقبل توبته. و لذلك صح ايمان سحرة فرعون و توبتهم.
قوله( و صح عن حفصة رضي الله عنها أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت) هذا الأثر رواه مالك في الموطأ.
و حفصة هي أم المؤمنين بنت عمر بن الخطاب، تزوجها النبي صلى الله عليه و سلم بعد حنيس بن حذافة و ماتت سنة خمس و أربعين.
قوله( و كذلك صح عن جندب) أشار المصنف بهذا الى قتله الساحر. كما رواه البخاري في تاريخه عن أبي عثمان النهدي قال" كان عند الوليد رجل يلعب فذبح انسانا و أبان رأسه فعجبنا، فأعاد رأسه فجاء جندب الأزدي فقتله".
و رواه البهقي في الدلائل مطولا. و فيه" فأمر به الوليد فسجن" فذكر القصة بتمامها. و لها طرق كثيرة. قوله " قال احمد عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم"أحمد هو الامام لأحمد بن محمد بن حنبل ( 1 ) قوله( عن ثلاثة) أي صح قتل الساحر عن ثلاثة، أو جاء قتل الساحر عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم، يعني : عمر، و حفصة ، و جندبا . و الله أعلم ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) الامام الجليل، ناصر السنة و قامع البدعة، الصابر المحتسب في الله و لله على ما لقى في نصر دين الله ، تاعلم الحافظ الحجة. ولد سنة 164 و مات سنة 241 ن قال الشافعي رحمه الله: خرجت من بغداد و ما خلفت فيها افقه و لا أروع و لا ازهد من أحمد بن حنبل. رحمة الله عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب بيان شيء من
أنواع السحر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال احمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا عوف عن حيان بن العلاء ، حدثنا قطن بن قبيصة عن أبيه: انه سمع النبي صلى الله عليه و سلم قال: " ان العيافة و الطرق و الطيرة من الجبت" . قال عوف: العيافة: زجر الطير . و الطرق : الخط يخط بالأرض(1) . و الجبت : قال الحسن" رنة الشيطان" اسناده جيد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله " باب بيان سيء من أنواع السحر" قلت : ذكر الشارح رحمه الله تعالى هاهنا شيئا من الخوارق و كرامات الأولياء ، و ذكر ما اغتر به كثير من الناس من الأحوال الشيطانية التي غرت كثيرا من العوام و الجهال ، و ظنوا أنها تدل على ولاية من جرت على يديه ممن هو من أولياء الشيطان لا من أولياء الرحمن ثم قال : و لشيخ الاسلام كتاب " الفرقان بين أولياء الرحمن و أولياء الشيطان" فراجعه، أ.هـ.
قال رحمه الله تعالى " قال أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا عوف عن حيان بن العلا حدثنا قطن بن قبيصة عن أبيه : أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم قال" ان العيافة و الطرق و الطير من الجبت " قال عوف : العيافة: زجر الطير ، و الطرق: الخط يخط في الأرض و الجبت قالها الحسن " رنة الشيطان" اسناده جيد : و لأبي داود و النسائي وابن حبان في صحيحه: المسند منه" .قوله" قال أحمد" هو الامام الجليل أحمد بن حنبل. و محمد بن جعفر هو المشهور بغندر الهذلي البصري ، ثقة مشهور. مات سنة ست و مائتين.
و عوف : هو ابن أبي جميلة ـ بفتح الجيم ـ العبدي البصري ، المعروف بعوف الاعرابي ، ثقة مات سنة ست أو سبع و أربعين، و له ست و ثمانون سنة. و حيان بن العلا : هو بالتحتية و يقال حيان بن مخارق أبو العلا البصري ، مقبول . و قطن ـ بفتحتين ـ : أبو سهل البصري ، صدوق. قوله "عن أبيه " هو قبيصة ـ بفتح أوله ـ ابن مخارق ـ بضم الميم ـ ابو عبد الله الهلالي صحابي نزل البصرة.
قوله" ان العياف و الطرق و الطير من الجبت " قال عوف : العيافة زجر الطير ، و التفاؤل بأسمائها و أصواتها وممرها ، و هو من عادات العرب ، و كثير في أشعارهم . يقال : عاف يعيف : عيفا اذا زجر و حدس و ظن . و قوله " و الطرق : الخط يخط بالأرض " كذا فسره عوف . و هو كذلك. و قال أبو العادات : هو الضرب بالحصى الذي يفعله النساء . و أما الطير ك فيأتي الكلام عليها في بابها ان شاء الله. قوله" من الجبت" أي : السحر قال القاضي: و الجبت في الأصل : الفشل الذي لا خير فيه، ثم أستعير لما يعبد من دون الله ، و للساحر و السحر.
قوله" قال الحسن: رنة الشيطان " قلت : ذكر ابراهيم بن محمد بن مفلح : أن في تفسير بقي بن مخلد " أن ابليس رن أربع رنات : رنة حين لعن ، و رنة حين أهبط ، و رنة حين ولد رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و رنة حين نزلت فاتحة الكتاب" . قال سعيد بن جبير : " لما لعن الله تعالى ابليس ، تغيرت صورته عن صورة الملائكة ، و رن رنة ، فكل رنة منها في الدنيا الى يوم القيامة " رواه ابن أبي حاتم
وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال " لما فتح رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة، رن ابليس رنة اجتمعت اليه جنوده" رواه الحافظ الضياء في المختارة . الرنين : الصوت . و قد رن يرن رنينا . و بهذا يظهر معنى قول الحسن رحمه الله تعالى .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1 ) هو ما يسمونه خط الرمل و علمه و هو ذائع بين أهل العصر ، و لبعضهم فيه تاليف و قد يتعيش به كثير من المتكهنين يغرون به البله و الجهلة ، زاعمين أنهم يطلعون على المغيبات و هم كاذبون ؛ فان هذا العلم بل الجهل لا يقصد به الا خداع الناس و أكل أموالهم بالباطل ، و قد بحثت في قواعده فوجدته ـ كما ذكرت لكـ رجما بالغيب و هو من الجبت كما في الحديث. فيجب على المؤمنين بالله الكفر به . و مثله ما يسمونه علم قراءة الكف ، و قراءة الفنجلن ، و مناجاة حب البن و نحوه، كل ذلك دجل و سحر و استمتاع كل من شياطين الجن و الانس ببعضهم . نسأل الله العافية للمسلمين من هذه الأمراض الفتاكة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و لأبي داود و النسائي و ابن حبان في صحيحه : المسند منه . و عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
" من اقتبس شعبة من النجوم ، فقد اقتبس شعبة من السحر ، زاد ما زاد " . رواه أبو داود و اسناده صحيح . و للنسائي منةحديث أبي هريرة رضي الله عنه " من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر. و من سحر فقد أشرك . و من تعلق شيئا وكل اليه" .
و عن ابن مسعود : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: " ألا هل أنبئكم ما العضة ؟ هي النميمة : القالة بين الناس " رواه مسلم . و لهما عن ابن عمر رضي الله عنهما : أن رسول اله صلى الله عليه و سلم: " ان من البيان لسحرا " .
فيه مسائل : الأولى : أن العيافة و الطرق و الطيرة من الجبت . الثانية: تفسير العيافة و الطرق . الثالثة : أن علم النجوم نوعا من السحر . الرابعة : العقد مع النفث من ذلك. الخامسة: أن النميمة من ذلك. السادسة: أن من ذلك بعض الفصاحة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله " و لأبي داود و النسائي و ابن حبان في صحيحه المسند منه " و لم يذكر التفسير الذي فسره به ابن عوف . و قد رواه أبو داود بالتفسير المذكور بدون كلام الحسن . قوله " و عن أبن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم" من اقتبس شعبة من النجوم ، فقد اقتبس شعبة من السحر ، زاد ما زاد" رواه أبو داود باسناد صحيح. و كذا صححه النووي و الذهبي ، و رواه أحمد و ابن ماجة. قوله" من اقتبس " قال أبو السعادات قبست العلم و اقتبسته اذا علمته ( 1 ) أ. هـ
قوله" شعبة " أي طائفة من علم النجوم . والشعبة الطائفة ، ومنه الحديث " الحياء شعبة من الايمان " أي جزء منه . قوله " فقد اقتبس شعبة من السحر " الحرم تعلمه . قال شيخ الاسلام رحمة الله تعالي عليه: فقد صرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن علم النجوم من السحر ، قال تعالى ( ولا يفلح الساحر حيث أتي ) . قوله " زاد ما زاد " أي كلما زاد من تعلم علم النجوم ، زاد في الاثم الحاصل بزيادة
الاقتباس ( 2 ) من شعبه ، فان م يعتقده في النجوم من التأثير باطل ، كما أن تأثير السحر باطل ( 3 ) .قوله" وللنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه " من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر. ومن سحر فقد أشرك . ومن تعلق شيئا وكل اليه " هذا حديث ذكره المصنف من حديث أبي هريرة وعزاه للنسائي . وقد رواه النسائي مرفوعا ، وحسنه ابن مفلح . قوله " وللنسائي " هو الامام الحافظ أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر بن دينار أبوعبد الرحمن صاحب السنن وغيرها . روي عن محمد بن المثني وابن بشار وقتيبة وخلق . وكان اليه المنتهي في العلم بعلل الحديث . مات سنة ثلاث وثلاثمائة ، وله ثمان وثمانون سنة رحمه الله تعالي . قوله" من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر" اعلم أن السحرة اذا أرادوا عمل السحر عقدوا الخيوط ونفثوا علي كل عقدة ، حتى ينعقد ما يريدون من السحر ، قال الله تعالي ( ومن شر النفاثات في العقد) يعني السواحر اللاتي يفعلن ذلك ، والنفث هو النفخ مع الريق ، وهو دون التفل ، والنفث فعل الساحر ، فاذا تكيفت نفسه بالخبث والشر الذي يريده بالمسحور ويستعين عليه بالأرواح الخبيثة نفخ في تلك العقدة نفخا معه ريق ، فيخرج من نفسه الخبيثة نفس مما زج للشر والأذى مقارن للريق الممازج لذلك ، وقد يتساعد هو والروح الشيطانية علي أذى المسحور فيصيبه باذن الله الكوني القدري لا الشرعي ، قاله ابن القيم رحمه الله تعالي .
قوله " ومن سحر فقد أشرك " نص في أن الساحر مشرك ، اذ لايأتى السحر بدون الشرك كما حكاه الحافظ عن بعضهم .قوله " ومن تعلق شيئا وكل اليه " أي من تعلق قلبه شيئا ، بحيث يعتمد عليه ويرجوه وكله الله الي ذلك الشيء ( 4 ) فمن تعلق علي ربه والهه وسيده ومولاه رب كل شيء ومليكه، كفاه ووقاه وحفظه وتولاه . فنعم المولي ونعم النصير . قال تعالي ( أليس الله بكاف عبده؟ )
ومن تعلق علي السحرة والشياطين وغيرهم من المخلوقين وكله الله الي من تعلقه فهلك . ومن تأمل ذلك في أحوال الخلق ونظر بعين البصيرة رأي ذلك عيانا ، وهذا من جوامع الكلم . والله أعلم . قال " وعن ابن مسعود رضي الله عنه : أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال " هل أنبئكم ما العضه ؟ هي النميمة ، القالة بين الناس " رواه مسلم .
قوله " ألا هل أنبئكم " أخبركم ، و" العضهة " بفتح المهلة وسكون المعجمة ، قال أبو السعادات : هكذا يروي في كتب الحديث . والذي في كتب الغريب " ألا أنبئكم ما العضه " بكسر العين وفتح الضاد . قال الزمخشري : أصلها " العضهة " فعلت من العضه وهو البهت . فحذفت لامه ، كما حذفت من السنة والشفة ، وتجمع علي " عضين " ثم فسره بقوله "هي النميمة القالة بين الناس " فأطلق عليها " العضه " لأنها لاتنفك عن الكذب والبهتان غالبا . ذكره القرطبي .
وذكر ابن عبد البر عن يحي بن أبي كثير قال : " يفسد النمام والكذاب في ساعة ما لا يفسد الساحر في سنة " . وقال أبو الخطاب في عيون المسائل : ومن السحر السعي بالنميمة والافساد بين الناس . قال في الفروع : ووجهه أنه يقصد الأذى بكلامه وعمله علي وجه المكر والحيلة ، أشبه السحر ، وهذا يعرف بالعرف والعادة أنه يؤثر ، وينتج ما يعمله السحر أو أكثر فيعطي حكمه تسوية بين المتماثلين أو المتقاربين . لكن يقال : الساحر انما يكفر لوصف السحر وهو أمر خاص ودليله خاص ، وهذا ليس بساحر . وانما يؤثر عمله ما يؤثره فيعطي حكمه الا فيما أختص به من الكفر وعدم قبول التوبة . انتهي ملخصا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 4 ) و من قصر تعلق قلبه على الله وحده كفاه كما قال تعالى( و من يتوكل على الله فهو حسبه ) و قال ( و على الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين ) و هذا التعلق هو روح الايمان و خلاصة التوحيد ، فمن تعلق قلبه بغير الله يرجوه في دفع ضر أو جلب نفع : فقد أشرك بالله أعظم الشرك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و به يظهر مطابقة الحديث للترجمة. و هو يدل على تحريم النميمة ، و هو مجمع عليه قال ابن حزم رحمه اله : اتفقوا على تحريم الغيبة و النميمة في غير النصيحة الواجبة. و فيه دليل على أنها من الكبائر.
قوله" القالة بين الناس " قال او السعادات: أي كثرة القول و إيقاع الخصومة بين الناس. و منه الحديث " فشت القالة بين الناس " .
قال " و لهما عن ابن عمر رضي الله عنهما : ان رسول اله صلى اله عليه و سلم قال " ان من البيان لسحرا " البيان: البلاغة و الفصاحة . قال صعصعة بن صوحان " صدق نبي الله ، فان الرجل يكون عليه الحق و هو ألحن بالحجج من صاحب الحق فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق " و قال ابن عبد البر : تأولته طائفة على الذم ، لأن السحر مذموم، و ذهب أكثر أهل العلم و جماعة أهل الأدب الى أنه على المدح ن لأن الله تعالى مدح البيان. قال و قد قال عمر بن عبد العزيز لرجل سأله عن حاجة فأحسن المسألة فأعجبه قوله. قال: " هذا و الله السحر الحلال " أ.هـ .
و الأول أصح . و المراد به البيان الذي فيه تمويه على السامع و تلبيس ، كما قال بعضهم :
في زخرف القول تزيين لباطله و الحق قد يعتريه سوء تعبير مأخوذ من قول الشاعر : قول هذا مجاج النحل تمدحه و ان تشأ قلت ذا قيء الزنابيرمدحا وذما و ما جاوزت وصفهما و الحق قد يعتريه سوء تعبير قوله ( ان من البيان لسحرا ) هذا من التشبيه البليغ لكون ذلك يعمل عمل السحر ، فيجعل الحق في قالب الباطل ، و الباطل في قالب الحق . فيستميل به قلوب الجهال ، حتى يقبل الباطل و ينكر الحق ، و نسأل الله الثبات و الاستقامة على الهدى . و أما البيان الذي يوضح الحق و قرره ، و يبطل الباطل و يبينه . فهذا هو الممدوح.و هكذا حال الرسل و أتباعهم ، و لهذا علت مراتبهم في الفضائل ، و عظمت حسناتهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قول الله تعالي ( ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق) 2:102 و قولهيؤمنون بالجبت و الطاغوت)4 : 51 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال "و قول الله تعالى(و لقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق)" قال ابن عباس " من نصيب" قال قتادة: و قد علم أهل الكتاب فيما عهد اليهم:أن الساحر لا خلاق له في الآخرة،و قال الحسن: ليس له دين. فدلت الآيه على تحريم السحر، و كذلك هو محرم في جميع أديان الرسل عليهم السلام، كما قال تعالى(و لا يفلح الساحر حيث أتى)20 :69 و قد نص أصحاب أحمد أنه يكفر بتعلمه و تعليمه. و روى عبد الرزاق عن صفوان بن سليم قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم" من تعلم شيئا من السحر قليلا كان أو كثيرا كان آخر عهده من الله" و هذا مرسل. واختلفوا: هل يكفر الساحر أو لا؟ فذهب طائفة من السلف الى أنه يكفر، و به قال مالك و أبوحنيفة و أحمد رحمهم الله.قال أصحابه:الا أن يكون سحره بأدوية و تدخين و سقى شيء يضر فلا يكفر. و قال الشافعي: اذا تعلم السحر قلنا له: صف لنا سحرك، فان وصف ما يوجب الكفر، مثل ما اعتقده أهل بابل من التقرب الى الكواكب السبعة ،و أنها تفعل ما يلتمس منها فهو كافر، و ان كان لا يوجب الكفر فان اعتقد اباحته كفر.اهـو قد سماه الله كفرا بقوله ) : انما نحن فتنة فلا تكفر) 2 :102 و قوله: ( وما كفر سليمان و لكن الشياطين كفروا) قال ابن عباس في قوله ( انما نحن فتنة فلا تكفر) و ذلك انهما علما الخير و الشر و الكفر و الايمان ، فعرفا أن السحر من الكفر. قال : " و قوله تعالى( يؤمنون بالجبت و الطاغوت)" تقدم الكلام عليهما في الباب قبله و فيه أن السحر من الجبت . قاله المصنف رحمه الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال عمر: الجبت :السحر ، و الطاغوت: الشيطان. وقال جابر: الطواغيت: كهان كان ينزل عليهم الشيطان في كل حي واحد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله" قال عمر رضي الله عنه: الجبت: السحر . و الطاغوت: الشيطان" هذا الأثر رواه ابن ابي حاتم و غيره.قوله" و قال جابر : الطواغيت: كهان كان ينزل عليهم الشيطان ، في كل حي واحد " هذا الأثر رواه ابن أبي حاتم بنحوه مطولا عن وهب بن منبه قال: سألت جابر بن عبد الله عن الطواغيت التي كانوا يتحاكمون اليها ، فقال : ان في جهينة واحدا . و في أسلم واحدا ، و في هلال واحدا ، و في كل حي واحدا، و هم كهان كانت تنزل عليهم الشياطين ". ( 1 ) قوله" قال جابر" هو ابن عبد الله بن حرام الأنصاري. ( 2 ) قوله" الطواغيت: كهان " أراد أن الكهان من الطواغيت ، فهو من افراد المعنى . قوله" كان ينزل عليهم الشيطان" أراد الجنس لا الشيطان الذي هو ابليس خاصة ، بل تنزل عليهم الشياطين و يخاطبونهم ويخبرونهم بما يسترقون من السمع فيصدقون مرة و يكذبون مئة. قوله" في كل حي واحد " الحي واحد الأحياء ، وهم القبائل ، أي في كل قبيلة كاهن يتحاكمون اليه ويسألونه عن الغيب ، وكذلك كان الأمر قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، فأبطل الله ذلك بالاسلام ، وحرست السماء بكثرة الشهب .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) الذي يستخلص من كلام السلف رضي الله عنهم : أن الطاغوت كل ما صرف العبد وصده عن عبادة الله واخلاص الدين والطاعة لله ولرسوله . سواء في ذلك الشيطان من الجن والشيطان من الانس ، والأ شجار والأحجار وغيرها . ويدخل في ذلك بلا شك : الحكم بالقوانين الأجنبية عن الاسلام وشرائعه وغيرها من كل ما وضعه الانسان ليحكم به في الدماء والفروج والأموال ، وليبطل بها شرائع الله ، من اقامة الحدود وتحريم الربا والزنا والخمر ونحو ذلك ، مما أخذت هذه القوانين تحللها وتحميها بنفوذها ومنفذيها . والقوانين نفسها طواغيت ، وواضعوها ومروجوها طواغيت . وأمثالها من كل كتاب وضعه العقل البشري ليصرف عن الحق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم اما قصدا أو عن غير قصد من واضعه . فهو طاغوت .
( 2 ) توفي جابر سنة 74 هـ ، وقيل : سنة 77 هـ ، وكان عمره أربعا وتسعين سنة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا : يا رسول الله ، وما هن ؟ قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله الا بالحق . وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات "
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله " وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " (اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا : يا رسول الله وما هن ؟ قال: الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله الا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ) .كذا أورده المصنف غير معزو ، وقد رواه البخاري ومسلم . قوله ( اجتنبوا ) أي أبعدوا ، وهو ابلغ من قوله : دعوا واتركوا ؛ لأن النهي عن القربان أبلغ ، كقوله تعالي ( ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) . قوله ( موبقات ) بموحدة وقاف : أي المهلكات . وسميت هذه موبقات لأنها تهلك فاعلها في الدنيا بما يترتب عليها من العقوبات ، وفي الآخرة من العذاب . وفي حديث ابن عمر عند البخاري في الأدب المفرد والطبري في التفسير ، وعبد الرزاق مرفوعا وموقوفا قال " الكبائر تسع ـ وذكر السبعة المذكورة ـ وزاد : الالحاد في الحرم وعقوق الوالدين " ولابن أبي حاتم عن علي قال " الكبائر ـ فذكر السبع ـ الا مال اليتيم وزاد: العقوق ، والتعرب بعد الهجرة ، وفراق الجماعة ، ونكث الصفقة " قال الحافظ: ويحتاج عندي هذا الجواب عن الحكمة في الاقتصار علي سبع . ويجاب : بأن مفهوم العدد ليس بحجة وهو ضعيف ، أو بأنه أعلم أولا بالمذكورات . ثم أعلم بما زاد ، فيجب الأخذ بالزائد ، أو أن الاقتصار وقع بحسب المقام بالنسبة الي السائل . وقد أخرج الطبراني واسماعيل القاضي عن ابن عباس أنه قيل له : " الكبائر سبع " قال " هن أكثر من سبع وسبع " وفي رواية " هي الي السبعين أقرب " وفي رواية " الي السبعمائة " (1) قوله ( قال : الشرك بالله ) هو أن يجعل لله ندا يدعوه ويرجوه ويخافه كما يخاف الله ، بدأ به لأنه أعظم ذنب عصي الله به ، كما في الصحيحين عن ابن مسعود " سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله ؟ قال : " أن تجعل لله ندا وهو خلقك ـ
الحديث "
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) قد الف الحافظ عبد الرحمن بن رجب رحمه الله كتابا في عد الكبائر . طبع . ولشيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : كتاب مسائل الجاهلية ، هو كذلك في عد الكبائر .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و أخرج الترمذي بسنده عن صفوان بن عسال قال" قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا الى هذا النبي ، فقال له صاحبه : لا تقل نبي ، انه لو سمعك لكان له أربع عيون ، فأتيا رسول الله صلى الله عليه و سلم فسألاه عن تسع آيات بينات ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم : لا تشركوا بالله شيئا ن و لا تسرقوا ، و لا تزنوا ، و لا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق، و لا تمشوا ببريء الى ذي سلطان ليقتله، و لا تسحروا ، و لا تأكلوا الربا ، و لا تقذفوا محصنة ، ولا تولوا للفرار يوم الزحف، و عليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا في السبت . فقبلا يديه و رجليه. و قالا : نشهد أنك نبي - الحديث" و قال: حسن صحيح . قوله ( السحر ) تقدم معناه . و هذا وجه مناسبة الحديث للترجمة. و في صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة قال: " كتب عمر بن الخطاب : أن أقتلوا كل ساحر و ساحرة قال: فقتلنا ثلاث سواحر". و صح عن حفصة رضي الله عنها" أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها ، فقتلت " . و كذلك صح عن جندب . قال أحمد: عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فيه مسائل: الأولى: تفسير آية البقرة . الثانية: تفسير آية النساء. الثالثة: تفسير الجبت و الطاغوت ، والفرق بينهما . الرابعة : أن الطاغوت قد يكون من الجن و قد يكون من الانس. الخامسة : معرفة السبع الموبقات المخصوصات بالنهي. السادسة: أن الساحر يكفر . و السابعة: أنه يقتل و لا يستتاب. الثامنة: وجود هذا في المسلمين على عهد عمر ، فكيف بعده؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و عن جندب مرفوعا : " حد الساحر : ضربه بالسيف" رواه الترمذي ، و قال : الصحيح أنه موقوف. قوله( عن جندب) ظاهر صنيع الطبراني في الكبير: انه جندب بن عبد الله البجلي . لا جندب الخير الأزدي قاتل الساحر ، فانه رواه في ترجمة جندب البجلي من طريق خالد العبد عن الحسن عن جندب عن النبي صلى الله عليه و سلم ، و خالد العبدي ضعيف. قال الحافظ : و الصواب أنه غيره، و قد رواه ابن قانع و الحسن بن سفيان من وجهين عن الحسن عن جندب الخير " أنه جاء الى ساحر فضربه بالسيف حتى
مات ، و قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول- فذكره" . و جندب الخير: هو جندب بن كعب ، و قيل : جندب بن زهير. و قيل : هما واحد، كما قال
بن حبان : أبو عبد الله الأزدي الغامدي صحابي ، روى بن السكني من حديث بريدة : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال" يضرب ضربة واحدة فيكون أمة واحدة ". قوله ( حد الساحر : ضربة بالسيف) و روي بالهاء و التاء ، و كلاهما صحيح . و بهذا الحديث أخذ مالك و أحمد و أبو حنيفة . فقالوا: يقتل الساحر . و روى ذلك
عن عمر ، و عثمان ، و ابن عمر ، و حفصة ، و جندب بن عبد الله ، و جندب بن كعب ، و قيس بن سعد ، و عمر بن عبد العزيز ، و لم يرى الشافعي القتل عليه بمجرد السحر الا ان عمل في سحره ما يبلغ الكفر و به قال بن المنذر ، و هو رواية عن أحمد . و الأول أولى. للحديث و لأثر عمر ، و عمل به الناس في خلافته من غير نكير.
قوله ( و في صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة قال: كتب عمر بن الخطاب أن اقتلوا كل ساحر و ساحرة . قال: فقتلنا ثلاث سواحر ) .
هذا الأثر رواه البخاري كما قال المصنف رحمه الله ، و لكن لم يذكر قتل السواحر. قوله( عن بجالة) بفتح الموحدة لعدها جيم: ابن عبدة-بفتحتين-التميمي العنبري، بصري ثقة.
قوله( كتب الينا عمر بن الخطاب: أن اقتلوا كل ساحر و ساحرة) و ظاهره انه يقتل منن غير استتابة. و هو كذلك على المشهور عن أحمد، و به قال مالك، لأن علم السحر لا يزول بالتوبة. و عن أحمد يستتاب، فان تاب قبلت توبته، و به قال الشافعي، لأن ذنبه لا يزيد عن الشرك، و المشرك يستتاب و تقبل توبته. و لذلك صح ايمان سحرة فرعون و توبتهم.
قوله( و صح عن حفصة رضي الله عنها أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت) هذا الأثر رواه مالك في الموطأ.
و حفصة هي أم المؤمنين بنت عمر بن الخطاب، تزوجها النبي صلى الله عليه و سلم بعد حنيس بن حذافة و ماتت سنة خمس و أربعين.
قوله( و كذلك صح عن جندب) أشار المصنف بهذا الى قتله الساحر. كما رواه البخاري في تاريخه عن أبي عثمان النهدي قال" كان عند الوليد رجل يلعب فذبح انسانا و أبان رأسه فعجبنا، فأعاد رأسه فجاء جندب الأزدي فقتله".
و رواه البهقي في الدلائل مطولا. و فيه" فأمر به الوليد فسجن" فذكر القصة بتمامها. و لها طرق كثيرة. قوله " قال احمد عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم"أحمد هو الامام لأحمد بن محمد بن حنبل ( 1 ) قوله( عن ثلاثة) أي صح قتل الساحر عن ثلاثة، أو جاء قتل الساحر عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم، يعني : عمر، و حفصة ، و جندبا . و الله أعلم ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) الامام الجليل، ناصر السنة و قامع البدعة، الصابر المحتسب في الله و لله على ما لقى في نصر دين الله ، تاعلم الحافظ الحجة. ولد سنة 164 و مات سنة 241 ن قال الشافعي رحمه الله: خرجت من بغداد و ما خلفت فيها افقه و لا أروع و لا ازهد من أحمد بن حنبل. رحمة الله عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب بيان شيء من
أنواع السحر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال احمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا عوف عن حيان بن العلاء ، حدثنا قطن بن قبيصة عن أبيه: انه سمع النبي صلى الله عليه و سلم قال: " ان العيافة و الطرق و الطيرة من الجبت" . قال عوف: العيافة: زجر الطير . و الطرق : الخط يخط بالأرض(1) . و الجبت : قال الحسن" رنة الشيطان" اسناده جيد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله " باب بيان سيء من أنواع السحر" قلت : ذكر الشارح رحمه الله تعالى هاهنا شيئا من الخوارق و كرامات الأولياء ، و ذكر ما اغتر به كثير من الناس من الأحوال الشيطانية التي غرت كثيرا من العوام و الجهال ، و ظنوا أنها تدل على ولاية من جرت على يديه ممن هو من أولياء الشيطان لا من أولياء الرحمن ثم قال : و لشيخ الاسلام كتاب " الفرقان بين أولياء الرحمن و أولياء الشيطان" فراجعه، أ.هـ.
قال رحمه الله تعالى " قال أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا عوف عن حيان بن العلا حدثنا قطن بن قبيصة عن أبيه : أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم قال" ان العيافة و الطرق و الطير من الجبت " قال عوف : العيافة: زجر الطير ، و الطرق: الخط يخط في الأرض و الجبت قالها الحسن " رنة الشيطان" اسناده جيد : و لأبي داود و النسائي وابن حبان في صحيحه: المسند منه" .قوله" قال أحمد" هو الامام الجليل أحمد بن حنبل. و محمد بن جعفر هو المشهور بغندر الهذلي البصري ، ثقة مشهور. مات سنة ست و مائتين.
و عوف : هو ابن أبي جميلة ـ بفتح الجيم ـ العبدي البصري ، المعروف بعوف الاعرابي ، ثقة مات سنة ست أو سبع و أربعين، و له ست و ثمانون سنة. و حيان بن العلا : هو بالتحتية و يقال حيان بن مخارق أبو العلا البصري ، مقبول . و قطن ـ بفتحتين ـ : أبو سهل البصري ، صدوق. قوله "عن أبيه " هو قبيصة ـ بفتح أوله ـ ابن مخارق ـ بضم الميم ـ ابو عبد الله الهلالي صحابي نزل البصرة.
قوله" ان العياف و الطرق و الطير من الجبت " قال عوف : العيافة زجر الطير ، و التفاؤل بأسمائها و أصواتها وممرها ، و هو من عادات العرب ، و كثير في أشعارهم . يقال : عاف يعيف : عيفا اذا زجر و حدس و ظن . و قوله " و الطرق : الخط يخط بالأرض " كذا فسره عوف . و هو كذلك. و قال أبو العادات : هو الضرب بالحصى الذي يفعله النساء . و أما الطير ك فيأتي الكلام عليها في بابها ان شاء الله. قوله" من الجبت" أي : السحر قال القاضي: و الجبت في الأصل : الفشل الذي لا خير فيه، ثم أستعير لما يعبد من دون الله ، و للساحر و السحر.
قوله" قال الحسن: رنة الشيطان " قلت : ذكر ابراهيم بن محمد بن مفلح : أن في تفسير بقي بن مخلد " أن ابليس رن أربع رنات : رنة حين لعن ، و رنة حين أهبط ، و رنة حين ولد رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و رنة حين نزلت فاتحة الكتاب" . قال سعيد بن جبير : " لما لعن الله تعالى ابليس ، تغيرت صورته عن صورة الملائكة ، و رن رنة ، فكل رنة منها في الدنيا الى يوم القيامة " رواه ابن أبي حاتم
وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال " لما فتح رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة، رن ابليس رنة اجتمعت اليه جنوده" رواه الحافظ الضياء في المختارة . الرنين : الصوت . و قد رن يرن رنينا . و بهذا يظهر معنى قول الحسن رحمه الله تعالى .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1 ) هو ما يسمونه خط الرمل و علمه و هو ذائع بين أهل العصر ، و لبعضهم فيه تاليف و قد يتعيش به كثير من المتكهنين يغرون به البله و الجهلة ، زاعمين أنهم يطلعون على المغيبات و هم كاذبون ؛ فان هذا العلم بل الجهل لا يقصد به الا خداع الناس و أكل أموالهم بالباطل ، و قد بحثت في قواعده فوجدته ـ كما ذكرت لكـ رجما بالغيب و هو من الجبت كما في الحديث. فيجب على المؤمنين بالله الكفر به . و مثله ما يسمونه علم قراءة الكف ، و قراءة الفنجلن ، و مناجاة حب البن و نحوه، كل ذلك دجل و سحر و استمتاع كل من شياطين الجن و الانس ببعضهم . نسأل الله العافية للمسلمين من هذه الأمراض الفتاكة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و لأبي داود و النسائي و ابن حبان في صحيحه : المسند منه . و عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
" من اقتبس شعبة من النجوم ، فقد اقتبس شعبة من السحر ، زاد ما زاد " . رواه أبو داود و اسناده صحيح . و للنسائي منةحديث أبي هريرة رضي الله عنه " من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر. و من سحر فقد أشرك . و من تعلق شيئا وكل اليه" .
و عن ابن مسعود : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: " ألا هل أنبئكم ما العضة ؟ هي النميمة : القالة بين الناس " رواه مسلم . و لهما عن ابن عمر رضي الله عنهما : أن رسول اله صلى الله عليه و سلم: " ان من البيان لسحرا " .
فيه مسائل : الأولى : أن العيافة و الطرق و الطيرة من الجبت . الثانية: تفسير العيافة و الطرق . الثالثة : أن علم النجوم نوعا من السحر . الرابعة : العقد مع النفث من ذلك. الخامسة: أن النميمة من ذلك. السادسة: أن من ذلك بعض الفصاحة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله " و لأبي داود و النسائي و ابن حبان في صحيحه المسند منه " و لم يذكر التفسير الذي فسره به ابن عوف . و قد رواه أبو داود بالتفسير المذكور بدون كلام الحسن . قوله " و عن أبن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم" من اقتبس شعبة من النجوم ، فقد اقتبس شعبة من السحر ، زاد ما زاد" رواه أبو داود باسناد صحيح. و كذا صححه النووي و الذهبي ، و رواه أحمد و ابن ماجة. قوله" من اقتبس " قال أبو السعادات قبست العلم و اقتبسته اذا علمته ( 1 ) أ. هـ
قوله" شعبة " أي طائفة من علم النجوم . والشعبة الطائفة ، ومنه الحديث " الحياء شعبة من الايمان " أي جزء منه . قوله " فقد اقتبس شعبة من السحر " الحرم تعلمه . قال شيخ الاسلام رحمة الله تعالي عليه: فقد صرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن علم النجوم من السحر ، قال تعالى ( ولا يفلح الساحر حيث أتي ) . قوله " زاد ما زاد " أي كلما زاد من تعلم علم النجوم ، زاد في الاثم الحاصل بزيادة
الاقتباس ( 2 ) من شعبه ، فان م يعتقده في النجوم من التأثير باطل ، كما أن تأثير السحر باطل ( 3 ) .قوله" وللنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه " من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر. ومن سحر فقد أشرك . ومن تعلق شيئا وكل اليه " هذا حديث ذكره المصنف من حديث أبي هريرة وعزاه للنسائي . وقد رواه النسائي مرفوعا ، وحسنه ابن مفلح . قوله " وللنسائي " هو الامام الحافظ أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر بن دينار أبوعبد الرحمن صاحب السنن وغيرها . روي عن محمد بن المثني وابن بشار وقتيبة وخلق . وكان اليه المنتهي في العلم بعلل الحديث . مات سنة ثلاث وثلاثمائة ، وله ثمان وثمانون سنة رحمه الله تعالي . قوله" من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر" اعلم أن السحرة اذا أرادوا عمل السحر عقدوا الخيوط ونفثوا علي كل عقدة ، حتى ينعقد ما يريدون من السحر ، قال الله تعالي ( ومن شر النفاثات في العقد) يعني السواحر اللاتي يفعلن ذلك ، والنفث هو النفخ مع الريق ، وهو دون التفل ، والنفث فعل الساحر ، فاذا تكيفت نفسه بالخبث والشر الذي يريده بالمسحور ويستعين عليه بالأرواح الخبيثة نفخ في تلك العقدة نفخا معه ريق ، فيخرج من نفسه الخبيثة نفس مما زج للشر والأذى مقارن للريق الممازج لذلك ، وقد يتساعد هو والروح الشيطانية علي أذى المسحور فيصيبه باذن الله الكوني القدري لا الشرعي ، قاله ابن القيم رحمه الله تعالي .
قوله " ومن سحر فقد أشرك " نص في أن الساحر مشرك ، اذ لايأتى السحر بدون الشرك كما حكاه الحافظ عن بعضهم .قوله " ومن تعلق شيئا وكل اليه " أي من تعلق قلبه شيئا ، بحيث يعتمد عليه ويرجوه وكله الله الي ذلك الشيء ( 4 ) فمن تعلق علي ربه والهه وسيده ومولاه رب كل شيء ومليكه، كفاه ووقاه وحفظه وتولاه . فنعم المولي ونعم النصير . قال تعالي ( أليس الله بكاف عبده؟ )
ومن تعلق علي السحرة والشياطين وغيرهم من المخلوقين وكله الله الي من تعلقه فهلك . ومن تأمل ذلك في أحوال الخلق ونظر بعين البصيرة رأي ذلك عيانا ، وهذا من جوامع الكلم . والله أعلم . قال " وعن ابن مسعود رضي الله عنه : أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال " هل أنبئكم ما العضه ؟ هي النميمة ، القالة بين الناس " رواه مسلم .
قوله " ألا هل أنبئكم " أخبركم ، و" العضهة " بفتح المهلة وسكون المعجمة ، قال أبو السعادات : هكذا يروي في كتب الحديث . والذي في كتب الغريب " ألا أنبئكم ما العضه " بكسر العين وفتح الضاد . قال الزمخشري : أصلها " العضهة " فعلت من العضه وهو البهت . فحذفت لامه ، كما حذفت من السنة والشفة ، وتجمع علي " عضين " ثم فسره بقوله "هي النميمة القالة بين الناس " فأطلق عليها " العضه " لأنها لاتنفك عن الكذب والبهتان غالبا . ذكره القرطبي .
وذكر ابن عبد البر عن يحي بن أبي كثير قال : " يفسد النمام والكذاب في ساعة ما لا يفسد الساحر في سنة " . وقال أبو الخطاب في عيون المسائل : ومن السحر السعي بالنميمة والافساد بين الناس . قال في الفروع : ووجهه أنه يقصد الأذى بكلامه وعمله علي وجه المكر والحيلة ، أشبه السحر ، وهذا يعرف بالعرف والعادة أنه يؤثر ، وينتج ما يعمله السحر أو أكثر فيعطي حكمه تسوية بين المتماثلين أو المتقاربين . لكن يقال : الساحر انما يكفر لوصف السحر وهو أمر خاص ودليله خاص ، وهذا ليس بساحر . وانما يؤثر عمله ما يؤثره فيعطي حكمه الا فيما أختص به من الكفر وعدم قبول التوبة . انتهي ملخصا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 4 ) و من قصر تعلق قلبه على الله وحده كفاه كما قال تعالى( و من يتوكل على الله فهو حسبه ) و قال ( و على الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين ) و هذا التعلق هو روح الايمان و خلاصة التوحيد ، فمن تعلق قلبه بغير الله يرجوه في دفع ضر أو جلب نفع : فقد أشرك بالله أعظم الشرك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و به يظهر مطابقة الحديث للترجمة. و هو يدل على تحريم النميمة ، و هو مجمع عليه قال ابن حزم رحمه اله : اتفقوا على تحريم الغيبة و النميمة في غير النصيحة الواجبة. و فيه دليل على أنها من الكبائر.
قوله" القالة بين الناس " قال او السعادات: أي كثرة القول و إيقاع الخصومة بين الناس. و منه الحديث " فشت القالة بين الناس " .
قال " و لهما عن ابن عمر رضي الله عنهما : ان رسول اله صلى اله عليه و سلم قال " ان من البيان لسحرا " البيان: البلاغة و الفصاحة . قال صعصعة بن صوحان " صدق نبي الله ، فان الرجل يكون عليه الحق و هو ألحن بالحجج من صاحب الحق فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق " و قال ابن عبد البر : تأولته طائفة على الذم ، لأن السحر مذموم، و ذهب أكثر أهل العلم و جماعة أهل الأدب الى أنه على المدح ن لأن الله تعالى مدح البيان. قال و قد قال عمر بن عبد العزيز لرجل سأله عن حاجة فأحسن المسألة فأعجبه قوله. قال: " هذا و الله السحر الحلال " أ.هـ .
و الأول أصح . و المراد به البيان الذي فيه تمويه على السامع و تلبيس ، كما قال بعضهم :
في زخرف القول تزيين لباطله و الحق قد يعتريه سوء تعبير مأخوذ من قول الشاعر : قول هذا مجاج النحل تمدحه و ان تشأ قلت ذا قيء الزنابيرمدحا وذما و ما جاوزت وصفهما و الحق قد يعتريه سوء تعبير قوله ( ان من البيان لسحرا ) هذا من التشبيه البليغ لكون ذلك يعمل عمل السحر ، فيجعل الحق في قالب الباطل ، و الباطل في قالب الحق . فيستميل به قلوب الجهال ، حتى يقبل الباطل و ينكر الحق ، و نسأل الله الثبات و الاستقامة على الهدى . و أما البيان الذي يوضح الحق و قرره ، و يبطل الباطل و يبينه . فهذا هو الممدوح.و هكذا حال الرسل و أتباعهم ، و لهذا علت مراتبهم في الفضائل ، و عظمت حسناتهم.
مواضيع مماثلة
» فضيلة الشيخ :. محمود المصرى .: أبو بكر الصديق - رضى الله عنه ( قصص الصحابة
» (((((( فضيلة الشيخ " ابو اسحاق الحوينى " (مصر المخطوفة)
» فضيلة الشيخ :. محمد حسين يعقوب .: بناء امة
» فضيلة الشيخ " محمد الشربينى " وحلقة بعنوان (صفات الرجوله)
» (((((( لفضيلة الشيخ /أمــيــن الأنــصــاري )))))
» (((((( فضيلة الشيخ " ابو اسحاق الحوينى " (مصر المخطوفة)
» فضيلة الشيخ :. محمد حسين يعقوب .: بناء امة
» فضيلة الشيخ " محمد الشربينى " وحلقة بعنوان (صفات الرجوله)
» (((((( لفضيلة الشيخ /أمــيــن الأنــصــاري )))))
فتح الزهر :: الفئة الأولى :: المنتدى الأول :: عن الناس والجن
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى